الأحد، 1 نوفمبر 2015

أسر أطفال التوحد في مواجهة مع التحديات


إعداد: روحي عبدات
اختصاصي نفسي وتربوي


إن تربية طفل مصاب بالتوحد هي من أصعب الأمور والتحديات الجسدية والانفعالية التي تواجه الوالدين، وغالباً ما يسبب الطفل ذو التوحد للأسرة بعض المشكلات الزوجية، والمشكلات مع الأطفال الآخرين، وعدم الاستقرار الوظيفي، ونظراً لأنه لا يوجد علاج قاطع للتوحد حتى الآن، فذلك يضع عبئاً إضافياً على الأسرة في تحمل مسؤوليات تربيتها لهذا الطفل. وعلى الرغم أن الأسرة ليس لديها شيئاً تفعله لتغيير جذر المشكلة، إلا أنه ممن الممكن لها أن تتبع مجموعة من الاستراتيجيات التي من شأنها التخفيف من مستوى السلوك غير التكيفي وزيادة قدرة الطفل على التعايش.
لقد أشارت الدراسات أن آباء أطفال التوحد يواجهون ضغوطاً أكبر من آباء الأطفال ذوي صعوبات التعلم، فقد لا يعبّر الطفل التوحدي عن حاجاته التي يرغب بها بالطريقة التي يتوقعها الآخرون، لذلك يقوم الآباء بعملية التخمين، هل يبكي الطفل لأنه جائع، عطشان، مريض؟ وعندما لا يستطيع ولي الأمر أن يقرر ما السبب فإن كلاً من ولي الأمر والطفل يصاب بالإحباط، ووصول الطفل إلى مرحلة الإحباط قد يقود إلى سلوكيات العدوان أو إيذاء الذات والتي تهدد سلامته وسلامة أعضاء الأسرة.
كثيراً ما يشعر الوالدين بالقلق تجاه سمات التوحد والسلوكيات القهرية المصاحبة كونها غريبة وتعيق الأداء والقدرة على التعلم، وتجد الكثير من الأسر التي تقوم بتربية طفل التوحد نفسها أمام أعباء مالية كبيرة وتحديات اجتماعية، بالإضافة إلى روتين العناية الذاتية، المشكلات الإقتصادية، ومدى تلقي الأسرة للمساعدة والدعم المناسب والتعليم، وهي التي تعتبر الأمور الأصعب لدى أسرة الطفل المصاب بالتوحد. لذلك فقد تسبب كثرة الضغوط والأعباء هذه إلى مشكلات أسرية قد تؤدي إلى الطلاق. علماً أن الموقف العام قد تحسن خلال السنوات الخمسة عشرة الماضية والتي تطورت فيها أبحاث التوحد تطوراً كثيرة لدرجة وفرت فيها الكثير من المعلومات للوالدين عن هذا الإضطراب وكيفية التعامل معه.

تحديات أمام الأسرة:
إن تربية طفل مصاب بالتوحد يعتبر بمثابة تحدٍ للوالدين، نظراً لما ينطوي عليها من مطالب كثيرة للطفل، فهؤلاء الآباء يمرون بضغوط أكبر من آباء الأطفال العاديين، وبدرجة كبيرة من القلق والاكتئاب، وحتى عند مقارنتهم مع آباء أطفال الإعاقات الأخرى، وقد تكون هذه الضغوط مرتبطة بسلوكيات الأطفال غير الطبيعية وحساسيتهم المفرطة.
تبدأ توقعات أولياء الأمور ومعتقداتهم حول تربية الطفل قبل ولادته وتتعدل عبر التفاعل خلال سير حياته النمائية، ولأن الطفل ذو التوحد يتصرف بطرق غير طبيعية ومن الصعب التنبؤ بها، فإن مدى معرفة الآباء بهذه التصرفات قد يلعب دوراً قوياً في زيادة خبراتهم التربوية وتأقلمهم مع الحالة، وقد أثبتت الدراسات أن الضغط الذي يتعرض له الوالدين، والاكتئاب والقلق، يرتبط سلباً بمدى القدرة الوالدية، وبطريقة الوالدين ومدى كفاءتهم بالقيام بالدور الوالدي المطلوب.
وكثير من الأسر تتعامل مع تحديات إضافية تتعلق بنوم طفلها في الليل وأكله لأصناف الطعام.
وبالتالي، فكل هذه القضايا والسلوكيات من شأنها أن تتعب الأسرة من الناحية الجسدية والإنفعالية، فقد لا تنجح مواعيد الطعام مع قدرة الطفل على الجلوس بشكل مناسب لفترات، وقد يتم إرباك الروتين اليومي للنوم بسبب مشكلات محددة عند الطفل أو الأسرة، وإن السلوكيات الروتينية التي اعتد عليها الطفل قد تمنع الأسرة من الاجتماع واللقاء بالآخرين أو بأفرادها، فعلى سبيل المثال: قد يضطر أحد الوالدين للبقاء في البيت مع الطفل، فيما يخرج الآخر مع بقية الأبناء في مناسبة معينة، وإن عدم قدرة العائلة على ممارسة الأنشطة والمناسبات الأسرية والاجتماعية المعتادة من شأنها أن تؤثر على العلاقة بين الزوجين، بالإضافة إلى أن الزوجين ليس لديهما القدرة على قضاء وقت خاص معاً لعدم توفر الشخص المؤهل للإشراف على الطفل.

القلق على مستقبل الطفل:
هناك تخوف واضح من قبل والدي الطفل المصاب بالتوحد تجاه مستقبله، على اعتبار أنه لا أحد يستطيع القيام برعايته غيرهما كونهما يزودانه بعناية استثنائية، وقدرتهما على ضبط الكثير من تصرفاته وتلبية احتياجاته طيلة سنوات.

الضغوط المادية:
إن وجود طفل توحدي يستنزف الكثير من مصادر دخل الأسرة المادية، سواء في مرحلة التقييم أو تقديم البرامج التربوية، أو الحاجة إلى نظام تغذية خاص، الأمر الذي قد يقود الأسرة إلى الإفلاس وعدم القدرة على الوفاء بالالتزامات المادية تجاه بقية أفرادها.

الضغوط جراء عدم وجود طفل نموذجي:
يحزن آباء الأطفال التوحديين جراء فقدان طموحهم للعيش مع طفل طبيعي كانوا ينتظرونه منذ وقت طويل، وفقدانهم لنمط الحياة الطبيعي الذي كانوا يتمنونه لهم ولأطفالهم، ففي كثير من الأحيان تنتابهم مشاعر الحزن خاصة في المناسبات الاجتماعية، والأعياد واللقاءات.

المعرفة بالتوحد تفيد الآباء:
ليس هناك الكثير من الدراسات التي تطرقت لموضوع مدى تأثير توعية آباء أطفال التوحد في خبراتهم التربوية لأبنائهم، إن معرفة السمات الرئيسية للتوحد (التواصل، والعلاقات الاجتماعية) السمات النمطية، الخصائص الوراثية للتوحد، ووسائل التدخل الفعالة كلها قد تعزز الشعور بالقدرة الكامنة لدى الآباء، وعن طريق تقبل الوالدين للطفل ذو التوحد فإنهما يقدران على فهم سلوكه وردود فعله عبر التعرف على احتياجاته ورغباته الضمنية، ومن المحتمل أن يواجه والدي طفل التوحد مجموعة من التحديات المتعلقة بالتعرف على استجاباته نحو سلوكيات محددة والتي غالباً ما تكون غير طبيعية ولذلك من الصعب تفسيرها. بالإضافة إلى أن تطور الطفل النمائي يتأثر بشكل ملحوظ، الأمر الذي يجعل من الصعب التنبؤ فيه بالمقارنة مع التطور النمائي عند بقية الأطفال.
وقد بينت الدراسات الحديثة، أن أمهات أطفال التوحد أظهرن عدم قدرة واضحة على فهم سلوك أطفالهن بالمقارنة مع أمهات الأطفال ذوي التطور النمائي الطبيعي، لذلك فإن المعلومات الدقيقة التي تتوفر للوالدين عن التوحد من شأنها أن تساعدهم في فهم وتفسير السلوكيات الغريبة التي يظهرها طفلهم، وإن القراءة والإطلاع عن التوحد قد يعزز من مشاعر النجاح الوالدي، نظراً لأن مشاعر الاكتئاب والضغط هما من أهم المشاعر النفسية التي يمر بها الوالدين خلال تربيتهما للطفل المصاب بالتوحد. وإن التبعات النفسية التي تترتب على الأمهات جراء لومهم على أطفالهم ذوي التوحد ما زالت باقية ، ويمكن أن تسهم في الوصمة الاجتماعية التي تشعر بها بعض الأمهات.
وعندما يتم إخبار الوالدين بتشخيص طفلهما ذو التوحد فإن مزيجاً من المشاعر المركبة تعتريهما كالحزن، الصدمة والارتباك، الخوف، القلق، العزلة، الغضب، اللامبالاة ، والحزن، و / أو قد تطغى عليهم التساؤلات عما إذا كان لهم دور في نمو طفلهم نوماً غير سوي.

ردة الفعل العامة نحو التوحد:
إن إخراج الطفل التوحدي إلى المجتمع يمكن أن يسبب الضغط لوالديه، فالناس قد يحملقون فيه، أو يبادلون الهمسات والتعليقات فيما بينهم، ويجدون من الصعوبة عليهم تفسير بعض السلوكيات التي تصدر منه أو شكله العام، فعلي سبيل المثال، قد يأخذ طفل التوحد الطعام من صحون الآخرين، الأمر الذي يسبب الإحراج للأسرة ويمنعها من اصطحابه معها إلى بيوت الأصدقاء والأقارب تجنباً للحرج، وهو ما يجعل الإجازات أمراً صعباً على هذه الأسر، وإن شعورهم بأنهم غير قادرين على التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، قد يجعلهم يمرون بتجربة الإحساس بالعزلة عن أصدقائهم، وأقاربهم والمجتمع عامة.
ومن المعروف أن لدى أطفال التوحد سلوكيات قهرية وأشياء لا يمكن التنبؤ بحدوثها، وهو ما يجعل الأمور معقدة على الأسرة، لأنها لا تستطيع أن تعرف ما السلوك التالي الذي سوف يقوم به الطفل، وإن التسوق مثلاً قد يجعل الطفل يمر بحالات من الإحباط والسلوكيات الفجائية كأن يرمي نفسه على الأرض، الصراخ، أو القيام بأي فعل من شأنه أن يجلب انتباه الآخرين في المجتمع. وعند الخروج من البيت مع الطفل المصاب بالتوح، من المتوقع أن يمر الوالدين بتجارب حساسة وذلك تبعاً للظروف والآثار، فهناك من الأوقات التي يظهر فيها سلوك الطفل بشكل هادئ واعتيادي، وأوقات أخرى لا يتصرف فيها بشكل لائق، الأمر الذي يشكل تحدياً هاماً أمام الأسرة بسبب هذه التناقضات المفاجئة التي تصدر عن طفلهم.


نخلص إلى القول أن والي الطفل المصاب بالتوحد تقع على عاتقهما الكثير من الضغوطات الأسرية والإقتصادية والإجتماعية والنفسية، التي لا تقل عن تلك التي يواجهها آباء ذوي الإعاقات الأخرى، بل تكون أكثر في بعض الأحيان، الأمر الذي يتطلب أنواعاً مختلفة من التدخل الأسري والاجتماعي والنفسي، وتدريب الوالدين حول التعامل مع طفلها، إضافة إلى التكيف مع سلوكاته اليومية، والبحث عن مصادر للدعم التي تمكن الأسرة من مواجهة طفلها مصاب بالتوحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق